
قال محافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، إن مسار معدلات الفائدة في المملكة المتحدة سسيستمر في الانخفاض تدريجياً، في وقت يوازن فيه البنك المركزي بين الحاجة إلى احتواء التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي الذي لا يزال هشاً.
وأضاف بيلي في مقابلة مع قناة CNBC على هامش منتدى البنك المركزي الأوروبي في مدينة سينترا البرتغالية: «لم أغيّر رأيي بشأن ذلك، لكن فيما يخص القرار في الاجتماع المقبل؟ سنرى».
ويتوقّع معظم الاقتصاديين أن يُقدِم بنك إنكلترا على خفض معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه المرتقب في أغسطس آب، ما سيؤدي إلى خفض سعر الفائدة الأساسي من 4.25% إلى 4%.
الضغوط التضخمية لا تزال تحت المراقبة
ومع ذلك، حذّر بيلي من أن صناع القرار في البنك لا يزالون بحاجة إلى تقييم ما إذا كانت الضغوط التضخمية المستمرة —مثل نمو الأجور بوتيرة أعلى من التضخم، وارتفاع أسعار الطاقة— ستواصل التراجع خلال الفترة المقبلة.
وقال في هذا السياق: «بالنسبة لي، السؤال الرئيسي هو: هل سيستمر التراجع الذي بدأنا نلحظه بالفعل ويهيئ البيئة لعودة التضخم إلى الهدف المحدد؟».
ويأتي موقف بيلي في وقت تتباين فيه التوقعات بشأن السياسات النقدية في البنوك المركزية الكبرى، لا سيّما مع تراجع معدلات التضخم في منطقة اليورو وبدء المركزي الأوروبي فعلياً بخفض الفائدة، بينما لا يزال بنك إنكلترا يتحرّك بحذر وسط مؤشرات مختلطة في السوق البريطانية.
لا يزال التضخم في المملكة المتحدة أعلى من مستهدف بنك إنكلترا البالغ 2%، حيث سجّل معدل الارتفاع في الأسعار 3.4% خلال مايو أيار الماضي، وهو ما يتجاوز بفارق ملحوظ مستوى التضخم في منطقة اليورو الذي استقر عند 2% في يونيو حزيران.
وفي المقابل، تعاني البلاد من تباطؤ اقتصادي واضح، إذ انكمش الاقتصاد البريطاني بشكل حاد في أبريل نيسان، مع بدء تأثير الرسوم الجمركية العالمية الجديدة والزيادات الضريبية المحلية التي أُقرّت مؤخراً.
وقالت وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز إن بيانات النمو الأخيرة «مخيّبة للآمال بشكل واضح»، لكنها شددت في الوقت ذاته على أن وزارة الخزانة «اتّخذت القرارات الضرورية لاستقرار المالية العامة والسيطرة على التضخم»، مشيرة إلى قواعدها المالية التي تقضي بعدم تمويل الإنفاق الحكومي الجاري عبر الاقتراض.
تحديات مالية وهيكلية رغم الالتزام بالقواعد
وكانت ريفز قد قدّمت في الخريف الماضي حزمة زيادات ضريبية على الشركات، لتمويل برنامج إنفاق عام ضخم، وفرضت قواعد مالية وصفتها بـ«غير القابلة للتفاوض»، تقيّد الاقتراض لتمويل الإنفاق اليومي.
غير أن الأوضاع الاقتصادية والمالية منذ ذلك الحين أصبحت أكثر صعوبة، إذ أدّت زيادة مدفوعات فوائد الدين العام وتراجع الإيرادات الضريبية إلى تقليص الحيّز المالي للحكومة، وسط توقّعات بنمو أضعف من المتوقع.
وكان مكتب مسؤولية الميزانية —الجهة المستقلة المعنية بالتوقعات المالية— قد توقّع في مارس آذار أن يحقق الاقتصاد البريطاني نمواً بنسبة 1% هذا العام، و1.9% في عام 2026، وهي نسب أدنى بكثير من المستويات المسجّلة في أعوام ما قبل الجائحة.
أقرت وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز، بأنّ الحكومة لا تزال بحاجة لبذل المزيد من الجهد لتحفيز النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة، في وقت تسعى فيه جاهدة لتحقيق هذا الهدف دون الإخلال بالقواعد المالية الصارمة التي وضعتها.
وبحسب مراقبين، لم يتبقَّ أمام الحكومة لتحقيق التوازن بين النمو والانضباط المالي سوى ثلاثة خيارات رئيسية: خفض الإنفاق العام، أو زيادة الاقتراض، أو رفع الضرائب مجدداً.
غير أنّ خبراء الاقتصاد يرون أن الخيار الأخير —أي زيادة الضرائب— هو السبيل الوحيد المتاح عملياً أمام الحكومة، نظراً لالتزامها مسبقاً بتوسيع الإنفاق العام واعتمادها إطاراً أكثر استدامة للاقتراض.
ضغوط متزايدة ومساحة مالية محدودة
وكانت ريفز قد شددت مراراً على التزامها بعدم تمويل الإنفاق الجاري عبر الاقتراض، وفق ما تنص عليه قواعدها المالية، في وقت تتزايد فيه الضغوط على الميزانية العامة بفعل ارتفاع مدفوعات الفائدة على الدين العام وتباطؤ الإيرادات الضريبية.
ويأتي ذلك في ظل تراجع النمو الاقتصادي وتوقعات ضعيفة للفترة المقبلة، مما يُعقّد مهمة الحكومة ويحدّ من قدرتها على المناورة.
يميل صناع السياسات في البنوك المركزية عادة إلى تجنّب التعليق المباشر على السياسات المالية للحكومات، تحسّباً للاتهامات بالتدخّل أو الانحياز.
إلا أن محافظ بنك إنكلترا أندرو بيلي قال إن من «المهم أن الوزيرة ريفز وضعت إطاراً مالياً واضحاً»، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة أن يتضمن هذا الإطار «قدراً مناسباً من المرونة».
وأضاف بيلي: «المملكة المتحدة لديها إطار مالي تناقشه وزيرة الخزانة وأنا بشكل منتظم. وأنا أعلم أنها ملتزمة جداً بوجود سياسة مالية قوية، وهذا أمر مهم للغاية كخلفية للاستقرار الاقتصادي الكلي».